الجمعة 27 ديسمبر 2024

روايه امراه العقاپ بقلم الكاتبه ندي محمود

انت في الصفحة 1 من 214 صفحات

موقع أيام نيوز

_ الفصل الأول _
دقائق طويلة قاربت على النصف ساعة وهي تقف بشرفة المنزل تستند بمرفقيها على سور الشرفة وعيناها معلقة على بوابة المنزل الكبيرة منتظرة على أحر من الجمر وصول والدها لقد طال غيابه هذه المرة عنهم ولم تراه منذ اسبوعين .. وعندما علمت من أمها أن اليوم هو يوم عودته قفزت فرحا وسعادة وأخذت تجهز كل ما ستخبره به من أحداث حدثت طوال الفترة الماضية تخرج الألعاب الجديدة التي قامت بشرائها حتى تريه إياها عندما يعود ورسوماتها الطفولية التي قامت برسمها بألوان مختلفة وجميلة اهداهم إليها عمها ! .

وأخيرا ها هي سيارته الفخمة تعبر البوابة الحديدية وثبت من مكانها بفرحة ودخلت إلى المنزل تصرخ بطفولية متجهة نحو الباب حتى تخرج له 
_ بابا جه .. بابا جه 
لم تبالي لتنبيهات أمها الصارمة بأن تهدأ من ركضها حتى لا تسقط .. فتحت باب المنزل ورأته وهو يتجه نحوها وابتسامة مشرقة وعريضة تعلو وجهه بعدما نزل من سيارته ركضت نحوه وارتمت بين ذراعيه ليحملها هو ويدور بها ويمطرها بوابل من قبلاته المشتاقة هامسا 
_ وحشتيني أوي ياهنايا 
إجابته بصوت طفولي سعيد به بعض الكلمات الغير مترتبة 
_ وأنت كمان شوحتني يا بابا !!
قهقه عاليا ثم انحنى عليها يطبع قبلاته الحانية على وجنتيها ليشبع شوقه منها بينما هي فقالت بطفولية 
_ تعالي هوريك حجات حلوة اشتريتها 
حملها على ذراعيه واستقام واقفا وهو يتجه بها إلى داخل المنزل متمتما پصدمة مازحا 
_ اشتريتي حجات حلوة من غيري .. لا كدا أنا زعلت منك يا هنا
انحنت على وجنته وطبعت قبلة لطيفة متمتمة برقة 
_ لا متزعلش عشان خاطري مش هشتري حاجة تاني من غيرك يابابا 
ډفن وجهه بين رقبتها يدغدغها بفمه ويقول بمشاكسة وضحك 
_ حبيبة قلب بابا 
تعالت ضحكاتها وهي تحاول الإفلات من بين مشاكسة أبيها لها ولكن باتت محاولاتها كلها بالفشل .
فاق من شروده على صوت زوجته الأولى وهي تتمتم باستغراب 
_ عدنان أنا ليا ساعة بكلمك وأنت مش معايا خالص !! 
تنهد الصعداء بحنق وتمتم بعبوس 
_ معلش يافريدة سرحت شوية 
لوت فمها بغيظ وهتفت 
_ في جلنار مش كدا ! 
ظهرت الحدة على محياه بمجرد ذكرها لاسم زوجته الثانية وهتف پغضب 
_ لا في بنتي يافريدة اللي هتجن وأعرف خدتها وهربت بيها على فين 
تأففت ووقفت ثم اقتربت منه وجلست بجواره على الأريكة تملس على شعره بحنو متمتمه بحب 
_ بنتك هتلاقيها ياحبيبي متقلقش 
ثم استكملت بنظرات ڼارية وشيطانية 
_ بس الأهم إنك متسيبش الهانم من غير عقاپ على عملتها دي الله اعلم خدت بنتك وهربت مع مين ! 
رمقها بنظرة مرعبة فهمت أنها حصلت على مبتغاها تماما وهو إشعال النيران في صدره حتى لا تتسنى لجلنار فرصة في الدفاع عن نفسها عندما يجدها ! .
بمكان آخر داخل أحد المنازل المتوسطة في ولاية كاليفورنيا بأمريكا الشمالية ...
انتهت من حمامها الصباحي الدافئ وخرجت ثم وقفت أمام المرآة تسرح شعرها وتجففه كانت تملك عينان بندقية ساحرة وشعر أسود طويل وملامح وجه رقيقة وصغيرة لا تناسب أم أبدا بل فتاة مراهقة مازالت في سنها الثامن عشر حتى جسدها الممشوق والمثير يعطيها لمسة أنوثية مذهلة .
رغم مرور أربع سنوات على زواجها ولكنها لا تزال محتفظة بنضارتها وجمالها لم تترك الهموم والحزن يؤثر عليها ويغير من طبيعتها ووجهها وقفت صامدة أمام أقوى الظروف ولا تزال بقوتها .. لم يكن بالنسبة لها زواج بالمعنى الحقيقي بل هو صفقة عمل كما وصفها أبيها نشأت الرازي رجل الأعمال المشهور والكبير عندما تسنت له الفرصة حتى يحافظ على علاقاته العملية وصفقاته وأمواله مع إمبراطورية الشافعي الضخمة لم يتركها تضيع هباء .. وكانت موافقتها على الزواج من عدنان الشافعي أحد نجاح مخططاته في الوصول لمستوى مرموق وأكبر يرضي به اهوائه وجشعه أجبرها على الموافقة من رجل متزوج ويرغب في الزواج مرة أخرى حتى يحصل على الطفل الذي لم يحصل عليه من زوجته الأولى وكانت هي الوسيلة لحصوله على الطفل وحتى الآن هي بالنسبة له ليست سوى آلة تزوجها للإنجاب فقط ووالدها يرضى بهذه الوضع المهين الذى وضعها به ولكن السجينة خرجت عن طوع سجانها بعدما طفح كيلها وقررت أن تعلن تمردها ولا تقبل بالإهانة ! .
جلنار الرازي .. المرأة صاحبة الجمال الصارخ كما وصفها بعض الرجال ترعرعت ونشأت في بلاد الغرب حتى أصبحت تأخذ من طباعهم وحتى جمالها يقارب لجمالهم المثير طالما وصفتها قريناتها من النساء بصاحبة الأنف المرتفع ! .. أي المتعجرفة .
انتهت من ارتداء ملابسها وهتفت بصوت مرتفع بعض الشيء 
_ هنا تعالي يلا ياحبيبتي عشان تلبسي 
ركضت الصغيرة نحو والدتها وكانت هي قد ارتدت ملابسها كاملة معادا حذائها فقالت جلنار بضحكة مندهشة 
_ إنتي لبستي وحدك شطورة
ياحبيبتي
جلست الصغيرة على المقعد وبدأت في ارتداء حذائها وأمها تساعدها في ارتدائه بشكل صحيح لكنها تصلبت بأرضها عندما سمعت سؤال صغيرتها وعيناها حزينة تقول 
_ هو إمتى بابا هياجي
يامامي وحشني أوي 
ثبتت نظرها على ابنتها وتنهدت الصعداء بخنق ثم مدت يدها وملست على شعرها مغمغمه بوداعة 
_ بابا مش هياجي دلوقتي يا هنا 
ما يقارب الشهرين وهي كلما تسأل والدتها عن أبيها تجيبها بإجابات غامضة وناقصة هكذا لا تفهمها وكأنها بدل أن تجيب تطرح عليها الأسئلة ! .
زمت هنا شفتيها للأمام بيأس وقالت 
_ طيب ليه مش بيكلمنا !
ليتها تستطيع الإجابة .. ليتها تتمكن من العودة له لأجل طفلتهم فقط ولكن ارتيعادها يزداد كلما تتذكر عزمه على أن يأخذ ابنتها منها فور طلاقهم مما دفعها للهروب بها ! .
ابتلعت جلنار ريقها وقالت بإيجاز وهي تهب واقفة 
_ يلا بينا اونكل حاتم مستنينا تحت كدا هنتأخر عليه
استقامت هنا واقفة وسارت مع أمها إلى الخارج وعلى ملامحها العبوس والحزن لا ترفع نظرها عن الأرض خرجت واستقبلت حاتم الذي كان بانتظارهم لفت نظرها الصغيرة التي لم تلقي عليه التحية بحرارة وتعانقه بسعادة ككل مرة بل اتجهت إلى السيارة واستقلت بالمقعد الخلفي بمكانها دون أن تنتطق وكانت معالم وجهها الحزينة تحكي بدلا عنها .
نظر إلى جلنار وهز رأسه باستغراب بمعنى ماذا بها ! لتتنهد الأخرى بضيق وتهز كتفيها لأعلى بعدم حيلة فيفهم فورا السبب ويقول بخشونة 
_ عدنان مش كدا !! 
_ ايوة مبقتش عارفة اقولها إيه تاني ياحاتم بتسأل علي باباها كل يوم وأنا زهقت .. ومقدرش اخليها تكلمه كمان أنا خاېفة يلاقينا وياخدها مني ياحاتم .. خاېفة أوي مش هقدر اعيش من غيرها
رأى الدموع المتجمعة في عيناها الجميلة ونبرتها العاجزة آثرت قلبه فلم يتمكن من الصمود أمامها حيث لف ذراعيه حولها يضمها لصدره متمتما بصوت رخيم ويداه تملس على شعرها 
_ مټخافيش أنا معاكي ومش هيقدر ياخدها منك 
سكنت بين ذراعيه للحظات قصيرة لكن عصفت بذهنها صورة عدنان وأدركت الوضع الذي يحدث الآن فابتعدت عن حاتم بهدوء وجففت دموعها تقول بجدية بسيطة 
_ يلا عشان منتأخرش

على الشغل 
أجابها مازحا وهو يتجه نحو السيارة 
_ نتأخر إيه بقى ما انتي مع المدير نفسه وبياجي وياخدك كمان 
سارت خلفه وهي تطرح عليه سؤالها بالإنجليزية وبنظرات ماكرة 
_ what do you mean ? . !ماذا تقصد 
تمتم يرد عليها بضحكة بسيطة 
_ nothing babe لا شيء يا عزيزتي 
استقلت بجواره في المقعد الأمامي بالسيارة والقت نظرة على ابنتها التي تنظر من النافذة بسكون تام دون أي حركة فتصدر زفيرا حارا في بؤس وتتابع الطريق من أمامها .
يمسك بيده فرشاة ويجلس على مقعد خشبي طويل مخصص للرسم وأمامه لوحته المميزة التي يعمل عليها منذ أيام طويلة بإتقان وتركيز حتى يكون الشكل النهائي لها مذهل كباقي أعماله الفنية كرس حياته منذ تخرجه من كلية الفنون الجميلة لممارسة هوايته المفضلة وهي الرسم حتى أنه افتتح معرضه الفني الخاص به والذي يأتي إليه الناس من مختلف الأماكن حتى يقتنوا لوحاته المذهلة بعدما تمكن وبفترة قصيرة أن يصنع اسمه في المجال الفني ويتصدر الصدارة .
آدم الشافعي .. الشاب اليافع الذي يبلغ من العمر خمسة وعشرون عاما كانت تتسابق الفتيات في جامعته على التقرب منه ليس لجمال مظهره وشكله فقط بل حتى لثقافته ولطفه مع الجميع وموهبته الفريدة .. لكنه لم يكن من هواة النساء والتسكع .. الأمر الذي جعلهم ينفرون منه بالنهاية بعدما يأسوا من محاولاتهم الفاشلة معه ! .
طرقت الباب عدة طرقات صغيرة قبل أن تفتحه وتدخل لتتسع على شفتيها ابتسامة عريضة .. ثم اقتربت ووقفت خلف أبنها تطالع لوحته التي لم تكتمل بعد بإعجاب شديد بينما هو فالټفت برأسه نحوها يحدقها بثغر مبتسم ليخرج همسها أخيرا 
_ إنت مش ناوي تخلصها ولا إيه ياحبيبي أنا متشوقة جدا اشوفها بعد ما تكمل 
_ هانت خلاص ياماما فاصل فيها شوية لمسات صغيرة وتبقى انتهت تماما .. بس إيه رأيك فيها 
أجابته بانبهار بعدما أعادت النظر فيها من جديد تتفحص تفاصيلها الدقيقة والمذهلة 
_ جميلة أوي يا آدم .. قولي بقى هو إمتى هيكون افتتاح المعرض
تمتم وهو يمسك بالفرشاة من جديد ويستكمل ما توقف عنده قبل دخولها 
_ خلال الاسبوعين الجايين إن شاء الله 
انحنت وطبعت قبلة على شعره ثم هتفت بحنو 
_ ربنا يوفقك ياحبيبي .. أنا هروح اعملك فنجان قهوة من اللي بتحبه عشان تعرف تبدع كدا يافنان 
قهقه بخفة وأجابها وهو يغمز لها بمداعبة 
_ ربنا يخليكي ليا ياسمسم يافهماني إنتي 
بادلته الضحك وهي تتجه نحو الباب لتنصرف وتتركه يستأنف عمله .
أسمهان الشافعي .. والدة عدنان وآدم تبلغ من العمر خمسة وخمسين عاما رغم تقدمها
في السن إلا
 

السابق
صفحة 1 / 214
التالي

انت في الصفحة 1 من 214 صفحات